موسم ورق العنب والخوف من المستقبل
محشي ورق العنب من الأكلات التي أحبها كثيراً، ولكن للأسف لا يظل موسمه لفترة طويلة، لذا ينقضي ولا أشعر أنني شبعت منه، فقررت أن أُخزن كميات منه تكفيني للموسم الذي يليه.
وبعد أن فعلت ذلك وإذا بي أقوم بعمل ورق العنب مرة واحدة فقط في غير موسمه. ذلك لأنني وجدت أصنافاً أخرى تتعاقب وكنت أود طبخها أيضاً على سبيل التغيير، فكل موسم وله أكلاته المميزة التي أشتاق إليها أيضاً.
وجاء الموسم الذي يليه وأكياس ورق عنب في الثلاجة وقد فقدت الطعم المميز لها، فاضطررت إلى إلقائها. وهذا نفس ما حدث مع فاكهة وأكلات أخرى.
الإستفادة الوحيدة التي جنيتها من هذا التخزين هو الشعور بالأمان أن ما أحبه موجود تحت يدي، على الرغم أنني في واقع الأمر لن أحتاج إليه لأن هناك بدائل كثيرة تشبع إحتياجي.
أما مساوئ التخزين فهي أنها أفقدتني الاشتياق إلى أكلتي المفضلة، فغيابها طوال العام كان يزيد من جمال مذاقها في موسمها.
الخوف من المستقبل
وبما أنني لا أترك موضوعاً يمر من أمام عيناي دون أن أتأمله، فقد وجدت أن هذه الآلية التي تعاملت بها مع ورق العنب هي نفس الآلية التي يتعامل بها الإنسان مع أطماعه في الدنيا.
يدخر الإنسان ويدخر ويحمل هم المستقبل ويخشى من الغد؛ يخشى أن ينقص ماله أو أن تضيع وظيفته أو صحته، فيدخر ما لا يحتاجه ويبخل بماله ومجهوده وعلمه وكل ما لديه خشية الغد.
ويأتي الغد بمشاكله ومعه الحلول دون أن نحتاج ما بخلنا به على غيرنا فنكون قد أضعنا ثوابا كبيرا ورضا من الله كان سيصبح أصدق وأوثق ما سينفعنا غدا وبعد غد وإلى يوم القيامة.
الخير فيما اختاره الله
ومن ناحية أخرى فإن وجود الرزق (المال أو العلم أو الصحة …إلخ) بدون مجهود أو بدون حرمان وبدون حسن استغلال له (كما يتفق مع شرع الله) يضيع من قيمة هذا الرزق ومذاقه ليصبح معتاداً بل مملاً.
ويدفع هذا السلوك الإنسان لأن يضيع وقته وعمره بحثاً عن زيادة أخرى لعلها تعطيه المذاق الذي اعتقد أنه سيظفر به إذا انتزع النعم عنوة دون أن يعبأ بالمنعم وبأحكامه وشرائعه.
الأمان في الاستسلام
هذا البخل والاستحواز سببه البحث عن الشعور بالأمان والاستقرار والسعادة، ولكن طريق البخل والاستحواز كان الطريق الخطأ، ذلك أن مقاليد كل شيء بيد الله، فإذا عاديت المنعم من أجل الحصول على النعم فقد وقعت حتماً في خطأ فادح.
أما الطريق الصحيح فهو الاستسلام لله، هو الإسلام، هو أن تطمئن بالله فتسير على خطى رسوله وتشغل نفسك بما أمرك به من عبادة وسعي وتعمير للأرض وإقامة العدل والحق وتريح بالك من ما كفله لك من رزق.
هو سبحانه الرزاق وكل ما أنت فيه منحك إياه وهو سبحانه يعرف ما تحتاج إليه وهو جل وعلا يعطيك ما تحتاج بحكمة الحكيم العليم الخبير علام الغيوب.