إسلاميةمفاهيم إسلامية

واصبر نفسك … كيف تؤثر صحبتك فيك

souhba_400_265وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف 28]

في زمن قل فيه الصالحون وأصبح التنفيذ العملي لهذه الآية الكريمة أمرا صعبا، تخبط الناس. فمنهم من عزل نفسه داخل مواقع التواصل الاجتماعي، ومنهم من استسلم للصحبة التي يعلم أنها من أهل الدنيا اعتقادا منه أنه قد يؤثر فيهم أو أنه لا يقوى على العزلة وأن أي صحبة تجدي إلى أن يرفع الله عنا غضبه، ومنهم من لديه صحبة صالحة ولكنه تجاهلها وترك نفسه لأهل الدنيا اتباعا لهوى، ومنهم من يجلس مع الصحبة الصالحة ويسعد بهم كثيرا ويعلي من قدر جلوسه معهم وراحته النفسية ثم تراه يميل إلى صحبة أهل الدنيا دون ظهور أي سبب منطقي إلا شئ من النفاق أو الكذب في الادعاء الأول، ومنهم من انشغل بعمله وحياته ونسي أن الثبات على الدين يحتاج لصحبة صالحة. هي نماذج كثيرة تدل على أن مسألة الصحبة الصالحة ليست أولوية بل أن مسألة إنتقاء الصحبة ليست واردة على الأذهان من الأساس وإن وجدت ميسرة.

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف 28]

هذه الآية تأتي بصيغة الأمر بعد قصة أصحاب الكهف الذين كانوا قلة مؤمنة تحيا في قرية مشركة ففروا بدينهم إلى كهف ليعبدوا الله فيه. وجاءت الآية كحل لفتنة الدين وهي أول فتنة بدأت بها سورة الكهف التي من السنة أن نقرأها يوم الجمعة لتحفظنا من فتنة المسيح الدجال.

أي أن هذه الآية جاءت بصيغة الأمر لمن هم معزولون وحدهم بين مشركين. لم يكن الحل “مشي أمورك” أو “انحني مع الريح” كما يقولون أو “فترة وحتعدي” أو “دول أصحابي مقدرش استغنى عنهم” أو “أنا شخصيتي قوية وصحبة أهل الدنيا لا تؤثر في أفكاري” وما إلى ذلك بل الإنعزال مع الصالحين.

في سورة الكهف حجة عليك أنه ليس للإنسان حل إلا بصحبة صالحة خاصة وقت انتشار الشر ولا يعد هذا الانتشار مبررا للبعد عنها.

إن لم تكن تعتقد أن الأمر هام لحياتك فسأفصل لك ما تفعله الصحبة السيئة في الإنسان فالآثار تحدث بشكل تدريجي حيث لا يشعر الإنسان بالمأساة التي يسير بإتجاهها، كالموج يسحبك دون أن تشعر وأنت تقسم أنك لم تحرك ساكنا إلا إذا نظرت إلى البر وجدته يكاد يختفي. هذا ما يحدث لك أنك تكاد تقسم أنك لم تتغير ثم تعود لثوابت الدين فتشعر أن في نفسك غضاضة منها وتريد أن تناقشها كنوع من التحضر وتنسى أنك كنت في يوم ما تقول سمعنا وأطعنا. ستجد من تركت خلفك من صحبة صالحة في واد وأنت في واد آخر فتظن أنهم أصبحوا غير مناسبين لك، والحقيقة أن العيب فيك وليس فيهم. في المثال السابق يقتنع الإنسان فورا أن موقعه تغير دون أن يدري لأن الأرض ثابتة لا تتحرك أما في مسألة نظرتك لمن حولك فكل شئ عائم يدور في فلك خاص به وكل شئ له رؤى متعددة ولكن الحق واحد وطريقه واحد من بين آلاف المدارات والمسارات والرؤى، وما يضمن لك أنك على الحق هو طاعة الله وإخلاص العباده له سبحانه. إذا لم تكن تنطلق من هذا المنطلق الثابت فستفلت في فلك آخر وتقسم أنك لم تتحرك وتزدري كل من حولك من المخلصين.

الأثر الأول: حين تحيط نفسك بمن غرقوا في الدنيا فإنك ترى نفسك أفضل منهم بطبيعة الحال وتبرر لنفسك فكرة أنك ستكون قدوة لهم ولعلك تهدي أحدهم. أي أنك ترى أن عبادتك وصلت لمرحلة أنك تعطي ولا تحتاج لتأخذ أو تبذل من أجلها. سينتابك شعور أن أي عمل خير تفعله يكفي وأنه “كتر خيرك” أنك تذكر الله. قد تصل إلى ثقة متناهية أنك على حق لأن كل من حولك على باطل فيزيد شعورك بالزهو برأيك وأفعالك على الرغم من أنك بالمقارنة بالصالحين في ذيل القائمة.

فإذا شعرت للحظة أنك تعبد الله كما يريد فقد كتبت على نفسك السقوط في بئر ليس له قاع. ووجودك بين من يشعروك بذلك يدفعك في هذا البئر.

فارق كبير بين أن تشعر أنك تبذل أقصى جهدك لإرضاء الله وتظل تبذل حتى يقبض الله روحك وأنت على هذا الحال، فتسارع في الخيرات وتسابق غيرك لتنال رضا الله ولا تكتفي أبدا، وتظل على نفس الحماس بل تزيد مع الوقت، وبين أن تقتنع أنك قد وصلت ولا تحتاج المزيد فتشغل نفسك بالدنيا على أساس أنك بذلت من أجل آخرتك واطمأننت والآن حان الوقت للدنيا. هذه ليست نفسية مؤمن بل نفسية إنسان على وشك الغرق فيما يغضب الله أو على وشك أن يُبتلى حتى يختار هل هو من أهل الحق أم أهل الباطل.

احدى زميلاتي قالت لي حرفيا “الناس أصبحت سيئة جدا مش كتر خيرنا إننا لسة كويسين”. وكأننا نمن على الله أننا لازلنا نعبده سبحانه.

{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات 17]

الأثر الثاني أن تعتاد الذنوب حتى تقع فيها. أضرب لكم مثالا مبالغا فيه ولكن طبقه على الأفعال الصغيرة فستفهم ما أقصده. لو قلت لك وأنت رجل مُصلي وملازم للمسجد “فلان يتاجر في المخدرات”، لأول وهلة سيصدمك هذا الفعل، لكن حين تقترب من الرجل وتسمع كلامه وتراه يفعل ذلك بعينيك وتحيا بين تجار المخدرات لأشهر ستجد أن هذا الفعل غير صادم لك وربما في نفسك استنكار ولكنه لا يصل لمرحلة القطيعة، لأنه رجل كريم معك ويقضي لك مصالحك، بعد أشهر أخرى سترى أنها تجارة مشروعة لا شئ فيها وبعد أشهر بعدها قد تبدأ في هذه التجارة بنفسك. كل ذلك وأنت تقسم أنك كما أنت لم تتغير وإذا تحدثت مع عمار المساجد فوجدتهم يستنكروا عليك ذلك بشدة ستشعر أنهم شخصيات متشددة ولا تفهم دينها فهما صحيحا وأن تجارة المخدرات شئ عادي جدا وكل الناس تفعله.

الأثر الثالث حين تقترب من أهل الدنيا لن تجدهم شياطين وستجد فيهم كثيرا من الصفات التي تجعلك تميل إنسانيا لهم وتستنكر أن يكونوا هؤلاء من الهالكين إذا استمروا على هذا الحال. ستنسى أن دين الله مبني على طاعته سبحانه والإخلاص له  ومجرد أن ترائي فقد أضعت ثواب العمل.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأُتى به، فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتى به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار)) رواه مسلم (3527)

كثير من الآيات تحدد لماذا خلق الإنسان وبما أمره الله:

{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة:5]،

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الملك:2]

بعد فترة قد ترى الأفكار التي تصدر عن من لا يذكرون الله منطقية وتبدأ في التوغل في عقلك ثم ما تلبث أن تدافع عن دينك بأساليب هؤلاء ومع الزمن لا يبقى من دينك شئ.

تلك هي أهمية أن تصبر نفسك مع الذين يدعون فهم يسارعون في الخيرات ويتسابقون إليها ويرفع بعضهم بعضا ويذكِّرون بعضهم بعضا فيرتقي الإنسان دون أن يشعر.

عليك أن تبحث عن الصحبة الصالحة في كل مكان وإن لم تجد فأحط نفسك بالقرآن وتفسيره وكتب الصالحين وبدعوة صادقة ستجد فيمن حولك من يعينك. عليك أن تذهب إلى كهفك وتغلق على نفسك مع أي شئ أو أي شخص يعينك على دينك سواء إنسان أو قرآن أو فيديوهات دروس لمن تحسبهم على خير أو كتب.

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب