إسلاميةمفاهيم إسلامية

ما هي حقيقة أن المؤمن أشد الناس إبتلاءً؟

بقلـم داليـا رشـوان

الله هو العدل، وهو سبحانه يبتلينا كلنا بنفس القدر، وبما أننا لدينا قوة تحمل مختلفة لأحداث الدنيا فإن الأحداث وإن إختلفت تتساوى على الجميع في قوة وقعها عليهم.

المسألة نسبية!!

ويتساءل أحدهم كيف لإنسان فقير يعاني من مشاكل لا حد لها أن يتساوى بالغني في وقع الابتلاء عليه؟

الفقير أنت تراه فقيرا ولكن يراه من هو أفقر منه غنيا.

والأغنى منك تراه غنيا ويراه من هو أغنى منه فقيرا.

فكما قلت المسألة نسبية.

الظروف التي تعيشها مهما اغدق الله عليك من نعمه أنت لا تشعر بها لأنك اعتدت عليها، سواء كنت غنيا أو فقيرا، والكل يشتكي.

الاحتياجات التي توفر لك معنى الراحة في الحياة تختلف على حسب ظروفك وليست الاحتياجات واحدة للجميع، فالفقير مثلا الذي يعتاد الجلوس على الأرض إذا أجلسته على كرسي مريح تركه وجلس على الأرض لأن هذا طبعه وحياة الترف من وجهة نظرك ليست ما يريحه إنما يريحه أن يلبي احتياجات محددة بسيطة مثل مياه نظيفة أو بعض الملابس والبطاطين.

أما الغني فمشكلة حياته أن الأماكن التي يخرج إليها ملأها ال”nouveau riche” “نوفو ريش” – وهو مصطلح لمُحدثي الغنى وكثيرا ما يكون لهم سلوك مستهجن من قبل متكبري الطبقة الغنية أبا عن جد -، لذا فحل هذه المشكلة في إيجاد أماكن أخرى لإيواء أمثاله.

الغني لا يرى أنه غني ويجد نفسه دائما في حاجة للمزيد وإلا هلك من وجهة نظره، لأنه لا ينظر إلا لمن هو أغنى منه، وهو لا يشعر بمتعة الترف التي تتصورها وأنت تشاهده فيها، لأنه اعتادها ولم تعد تشكل عنده قيمة لذا يبحث دائما عن السعادة المفقودة في أي شئ جديد ولو كان حراما.

الحقيقة التي لا يعرفها إلا القليل هو أن الجميع لديه ما يكفيه ليسعده، وهذه الحقيقة ظاهرة ظهور الشمس ولكن يجب أن ينظر لها الإنسان بمنظار الرضا حتى يراها لأنه اعتاد ما عنده وحواسه لم تعد تشعر به، فإذا وقف مع نفسه وقفة جادة وعاد بذاكرته إلى الوراء ونظر كيف كان وكيف أصبح من نعم ربه عليه لرأى ما لم يراه من قبل.

وليس معنى ذلك كبح الطموح والتطلعات لأن الله أمرنا بالعمل وهو سبحانه يجازي عليه بعشرة أمثاله والله يضاعف لمن يشاء، وأمرنا ليس فقط بالعمل بل بالإحسان فيه وهذا له جزاء آخر، ولكن هناك فارق كبير بين العمل في مناخ من الطمع والعمل في مناخ من الرضا.

نعود إلى إبتلاء المؤمن، الآن نعرف أن المسألة نسبية.

الإنسان كلما تقرب إلى الله تعلم حقائقا تجعل الإبتلاء في نظره شئ آخر غير ما يراه الناس. وكأن الله يكشف عن عينيه الحجب فلا يرى ما يراه الناس ولكن يرى حقيقة أخرى وراء الأحداث، (يمكن الرجوع إلى موضوع: ما وراء الحدث)، فعلى سبيل المثال قد يخرج شخص من سيارته ليشتري شيئا فإذا بسيارة أخرى تحطمها وهي في مكانها. الإنسان العادي يرى كارثة أمامه وقد تصيبه أزمة قلبية نتيجة رؤيته لما حدث، أما المؤمن فتجده يحمد الله في وقتها لأن الله قدر لسيارته حادثة كبيرة ونجاه منها حتى لا يصيبه مكروه، وداخله يقين واطمئنان أن إجراءات تصليحها ستكون ميسرة لأن الله سيتولاه فيها كما تولاه في هذه الكارثة، وسيرزقه بالمال الذي يعينه على عودتها كما كانت، وسيؤمنه من أسوء ما يمكن أن يحدث في سيارته من جراء الحادثة.

إذن وقع الحادثة كان مختلفا تماما على كلا الشخصين، وعلى ذلك لم يعد الإبتلاء العادي في نظر المؤمن إبتلاءا. ولكن من سنن الله أن المؤمن يجب أن يُبتلى مثل الآخرين حتى يُكرمه الله بمنزلة أعلى، لذا تزيد المسألة بل تأتي في أحداث صعبة حتى تؤثر عليه وتُظهر قوة تحمله، وعلى الرغم من قوة الإبتلاء في نظر الآخرين إلا أن المؤمن دائما ما يكون وقع الإبتلاء عليه مختلف لأن عنصر الأمان الذي يستقيه من الله يجعله لا يجزع ولا يخاف ولا يحزن كما وصفه الله سبحانه وتعالى في قوله: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) – يونس

وأحيانا تكمن شدة الإبتلاء في تبعياته حيث يبدو أن نتائج ما يحدث ستكون وخيمة وسيظل الإنسان يعاني منها طوال حياته، ولكن المؤمن يعرف أن الإبتلاء قد يبدو كذلك ولكنه أعلم الناس بربه ويعلم أن هذا إختبار لشدة يقينه فيه سبحانه وأن الإبتلاء سيزول وستزول جميع تبعياته كأن لم تكن ولو بدت نتائج الأحداث أنها باقية بالفعل أبد الدهر.

وهذه السنن يتعلمها الإنسان من التفكر في أحواله وأحوال الناس من حوله فالأحداث تتكرر ولكن تختلف في شكلها.

ولذا فإن المؤمن أشد الناس إبتلاءا في نظر الناس أما هو فيشعر أنه أسعدهم وأكثرهم أمانا مهما حدث له.

***
تناولت نفس المعنى في سياق آخر في هذا الموضوع هل لمشاكل الدنيا حلول؟

23-12-2008

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب