إسلاميةمفاهيم إسلامية

جرت العادة .. فأفلتت من حدود الدين

بقلم داليا رشوان

نقابهذا الموضوع حدث معي منذ يومين ولم ألحظه من قبل لأنني منتقبة وغالبا ما أسير وحدي فيكون إلقاء السلام من منتقبة أخرى أمرا عاديا، ولكنني هذه المرة كنت أقف مع أخت محجبة وفوجئت بمنتقبة تمر من جانبي وتُسلم عليّ، فإنحنت عليّ زميلتي وقالت لي لو كنتِ محجبة ما كانت لتسلم علينا فالمنتقبات يسلمن على المنتقبات فقط! وفكرت لبرهة ولأول مرة في هذا الأمر فوجدته شئ فج جدا وهو ليس من الدين ولا من أدب الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من أدب الدعوة، هو ببساطة تقليد لا أعرف من إبتدعه.

تحدثت بعدها مع صديقة أخرى فحكت لي كيف أنها (محجبة) وأختها المنتقبة كانتا في مكان ومعهما بعض القريبات من النساء فجاءت منتقبة ودنت من أختها وألقت عليها السلام بصوت منخفض وكأنها تخشى أن تسمعه بقية النساء!!!!!!!!!!!

الموضوع ليس مجرد نقد لتحية السلام بين المنتقبات ولكن هذا السلوك هو جزء من تركيبة لسلوكيات أخرى يقوم بها من إلتزم بظاهر الدين تنم عن إعتقاد خاطئ شوه الدين وشوه الإلتزام به، وأصبحت الأفعال المسيئة تنسب للإسلام كله وليس لفرد، لذا يجب أن تكون هناك وقفة وكلمة حق، وربما لن يقولها أحد، لأن المعلق على الأحداث غالبا لا يتسم بالحيادة الكافية التي تسمح له بالتطرق إليه، فهو إما سلفي وإما علماني، والتعليق يخرج من نقد إلى إما دفاع أعمى أو هجوم أعمى أيضا.

أنا كإمرأة أعاني من الإضطهاد لأنني منتقبة بدأت أفكر هل حقا هذا الإضطهاد فعل أم رد فعل؟ هل هو عدوان تجاه المنتقبات أم حصاد لما زرعه مجتمع المنتقبات والملتحين بعد أن أغلقوا على أنفسهم الدائرة وبدؤوا بالعدوانية وتعاملوا مع المجتمع من حولهم على أساس أنهم الأفضل بناءً على المظهر الذي اتخذوه لأنفسهم!! والأكثر من ذلك أنه إذا تعامل أحد معهم صُدم في أخلاقهم وكره أن يلتزم بالدين خشية التحول إلى هذه الصورة المرفوضة من الأخلاق والمعاملات.

المؤمن لا يتفضل على الناس بإيمانه لأن إيمان الإنسان فضل من الله عليه ومن الممكن أن يختفي في لحظة كما أنه في نفس اللحظة من الممكن أن يتحول إنسان بعيد عن الله إلى أقرب ما يكون الإنسان منه سبحانه، لذا من الغباء التكبر على الناس بالإيمان، كما أن الكبر والإيمان لا يجتمعان في نفس الجانب أبدا.

يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)  إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) الحجرات

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ (32) – النجم

ومن خطبة الوداع 

حدثنا ‏ ‏إسماعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد الجريري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي نضرة ‏ ‏حدثني ‏ ‏من ‏‏سمع خطبة رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في وسط ‏ ‏أيام التشريق ‏ ‏فقال (( يا أيها الناس ألا ‏ ‏إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا ‏ ‏لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى ….))

وحين يضع الإنسان نفسه في مكانة أعلى من الناس فهذا هو الكبر بعينه

قال صلى الله عليه وسلم

“لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”

 وللكبر صفات منها

رفض النصيحه في الحق وتسفيه الناس
قال صلى الله عليه وسلم “الكبر بطر الحق وغمط الناس”

 ظلم الناس واحتقارهم و التهوين من شأنهم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر المتكبرون يوم القيامه أمثال الذر على صورة الناس يغشاهم الذل، يدوسهم الناس بأقدامهم .”رواه الترمذي

 الاختيال في المشية

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما رجل يتبختر في مشيته، يمشي في برديه قد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامه. رواه البخاري “

حب خضوع الناس بين يديك

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يتمثل له الرجال قياما أذلاء بين يديه فليتبوأ مقعده من النار. رواه البخاري

 كثيرا ما تثير خلافات حول مسائل في الدين إختلف عليها العلماء عداوة بين فئات مختلفة وخروج عن أخلاق الإسلام ولكن هذا الإختلاف ليس بابا لتبادل الإتهامات بين طرفين وقراءة الآية اللاحقة من سورة آل عمران بتدبر تغلق النقاش في هذه الموضوعات، لأن من سيجادل بعدها يقول عنه الله عز وجل أن في قلبه زيغ وأنه يبتغي الفتنة:

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)

المؤمن رحمة لجميع من حوله والكل ينتفع بأخلاقه سواء المسلم أو العاصي أو المسيحي أو اليهودي أو الملحد أو…، لأن رسول الله بُعِث رحمة للعالمين وليس للمسلمين فقط:  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) – الأنبياء، أي أن المسلم الملتزم حقا يشكل راحة نفسية لجميع من حوله خاصة المخالفين له في الرأي لأن الخلاف هو الذي يبين حقيقة النفوس، لذلك فالمنافق إذا خاصم فجر.

وإذا اكتئب الناس من هذا المسلم الذي يدَّعي الإلتزام بمظهره فهذا أول الدلائل على وجود خلل داخله عليه أن يبحث عنه ويعمل على تغييره.

 سيقول البعض نحن نغلق على أنفسنا من أجل توفير صحبة صالحة ألم يقل الله عز وجل:

 وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) – الكهف

وأقول الصحبة الصالحة هي بكل بساطة الصحبة التي تأتنس بها وتبحث فيها أمر دينك ودنياك مع آخرين وهذا أمر طبيعي أن تختار أصدقاءك وصحبتك كي تعينك ولا تعين عليك، ولكن هذا لا يعني وليس المقصود به تماما الإنغلاق مع صحبة محددة ونبذ المجتمع ورفض الإندماج فيه، لأنك تسير في الشارع والشارع جزء من المجتمع ولديك زملاء عمل ورؤساء وجيران وأقارب والكثير من الأغراب نقابلهم يوميا في مواقف مختلفة، فهل أُمِرَ المسلم أن يتجاهل الجميع وكأنه في عالم آخر؟ أو بلغة الطب النفسي هل المسلم فصامي؟ إذا كان كذلك فكيف يقيم العدل ويقود المجتمع بما أمر الله،

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) – المائدة

 كيف يكون خليفة الله في الأرض

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) – البقرة   

هل خُلُق الإسلام حكرا على معاملة المسلمين بل الملتزمين منهم بظاهر الدين لبعضهم البعض فقط أم هي معاملة عامة بين الناس جميعا؟ وكيف سيكون المسلم قدوة لأخيه إذا كان يعامل من لا يظهر بمظهر معيَّن متفق معه بشكل بذئ! وكيف سيحب الناس الإسلام والمسلمين إذا كانوا شرا على المجتمع ولا يأتي من ورائهم إلا سوء المعاملة! ألم يرد رسول الله الأمانات التي كانت عنده لأهل قريش عند هجرته من مكة إلى المدينة وهم أعداؤه الذين طردوه من دياره وقاتلهم لاحقا؟ ألم تكن التجارة وإظهار خلق الإسلام فيها أحد أكبر العوامل التي أدت إلى إنتشار الإسلام في الدول البعيدة عن جزيرة العرب.

قالت لي مذيعة غير محجبة تحضر تدريب معي “أنت أول منتقبة أراها ولا ينقبض قلبي منها وأنا سعيدة بك جدا”. هل كانت لتقل ذلك إذا لم أُسَلم عليها أو إذا تجاهلتها أو إذا عاملتها بإزدراء على أنها كما يقولون من أهل الفساد، ولكن معاملة الإسلام هي التي تجذب هذا الحب وهذا الإحترام.  

أليس هذا هو الهدف!!! أن يحب الناس مظاهر الإسلام فيك لأنها مظاهر تخفي وراءها خُلُق قويم!!! أن يلجأ إليك الجميع بما فيهم من يخالفك العقيدة لأمانتك وصدقك!!! أن يتقاتل عليك أصحاب الأعمال لتعمل لديهم لأنك تطبق القرآن حرفيا وتحسن في عملك وتتقنه كما يحب الله ويرضى!!!

والله أعلم أن هذه الكلمة لم أسعى بها لتفضيل نفسي على غيري فلا فضل عند الله إلا بالتقوى ولكنني إبتغيت فيها نصيحة خالصة لوجه الله.

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب