زوجية

الصمت الزوجي

هذا الموضوع نشر في عام 2006 وكانت له أصداء تجدونها في نهاية المقالة

shadow couple hand holdingالاتجاه الإجباري لكل الأزواج .. مع اختلافهم في زمن الوصول .. لكنه أمر حتمي أو بالأحرى يعتبره الأزواج تدرجا طبيعيا ومسلما به.

 لكني اعترض على التسليم به دون النظر إلى أسبابه التي أراها أسبابا بسيطة وفي متناول الجميع حلها، ولأن الاستسلام أصبح ثقافة عامة في جميع نواحي حياتنا لا أحد يفكر في المشكلة لحلها ولكن للاستنكار فقط ثم الصمت عنها واعتيادها بعد فترة، حتى أصبح الصمت الزوجي أحد سمات الزواج في نظر غالبية الأزواج.

 وأريد أن أعلق على شيءٍ آخر: وهو أن الكثير يُرجع الصمت الزوجي إلى أن نظام الزواج نظام فاشل، وسواء كان القائل ساخرا أو جادا، سواء كان يعي ما يقول أو يقوله من ضيقه، يجب أن نضع في اعتبارنا أمرا غاية في الأهمية وهو أن أي نظام شرعه الله ليس فيه سلبيات نهائيا بل هو أفضل شئ لبني الإنسان، لكن كل ما هنالك أن الإنسان يحب أن يأخذ عنوان ما شرعه الله ثم يضع شكلا للحياة بما يتفق مع أهوائه، ولا يعبأ ببقية ما تحت العنوان من الشرع، وحين يفشل يُرجع فشله إلى الشرع وإلى الإسلام وهو بريء تماما مما حدث.

حين نحب أن ننظر للزواج فيجب أن نضع في اعتبارنا أن الله وصفه بالسكن والمودة والرحمة وكل ما يتنافى مع ذلك تكون عنده وقفة هامة لتعديل المسار الذي انحرف به عن الهدف المطلوب.

 أما عن الصمت الزوجي فهو ببساطة شديدة عدم وجود موضوعات مشتركة بين الطرفين إلا الهم والغم.

لماذا؟

لأن كل طرف له اهتمامات مختلفة يريد التحدث فيها ولا يريد أن يعطي اهتماما للآخر ولمجالات اهتمامه، بل إنه حين يتحدث عن اهتماماته يجد تجاهل تام من الطرف الآخر وقطع لكلامه على أساس أنه كلام غير مهم، أما الشئ الوحيد المشترك فعلا بينهما ويمكن للطرفان التحمس له هو المشاكل.

أي أن الملخص أن الطرفين لا يريدان التنازل والإنصات للآخر!!

ستقول الزوجة هو أصلا لا يتكلم عن عمله حتى يشركني فيه!!

سأرد بأنه هو الذي اكتشف منذ زمن أنكِ غير مهتمة أصلا بهذا الموضوع وأنه سيسمع ما لا يريد فآثر الصمت .. وكذلك العكس صحيح ..

والحل في أن يتنازل الطرفان ويخلقان لأنفسهما اهتمامات مشتركة أخرى.

وكم من موضوعات واهتمامات قد تثري ما بين الزوجين بل قد تفتح آفاقا جديدة لهما.

هناك زوجة سمعتها تقول أنها أصبحت تهتم بالكورة لتجذب زوجها تجاهها فنجحت في ذلك وأصبحت صديقة له .. وأخرى اهتمت بمجال عمل زوجها وأصبحت جهة من الجهات التي يرجع إليها في المشورة وفي تطوير عمله .. وقد ترى أخرى أن الرياضة من اهتمامات زوجها فتخرج معه لتشجيعه ومشاركته وحث الأبناء على الاقتداء به.

هناك مئات الأفكار من أتفه الاهتمامات إلى أعقدها ولكن لا أحد يريد حلا فيه مشقة، مع أن هذه الحلول الصغيرة تفعل أفعال السحر في العلاقة بين الطرفين.

واذكر أن احدى زميلاتي كانت تشتكي لي وهي على آخرها، تقول لي أظل أتحدث في موضوعات عدة، وزوجي ينظر إلى شاشة التليفزيون ولا يرد بكلمة واحدة أو حتى بحركات تدل أنه يسمع، فقلت له:”ما ترد؟ إنت باصص للتليفزيون ومش سامعني خالص؟ خلاص مش حأتكلم. فيرد عليها قائلا: لأ انا سامعك كويس تحبي أسمعلك اللي انت قلتيه”.

 وهذه مشكلة يتسبب فيها عدم قدرة أحد الأطراف أو كلاهما على حسن الاستماع للآخر، وحسن الاستماع ليس بمجرد ترديد ما تم قوله من أحد الأطراف، “إحنا مش في مدرسة”، ولكن حسن الاستماع يبدأ بالنظر في العينين، أو ابداء الاهتمام بلغة الجسد، وفي السؤال عن بعض النقاط في الموضوع، وإعطاء الاهتمام في شكل تقييم للموقف الذي تم التحدث بشأنه أو بمجرد بعض الإيماءات بالوجه، وهذا حق لكل طرف على الآخر، وحين يفعله طرف مع الآخر هو يضع بذلك نظاما سيفعله الآخر معه حين يحتاجه.

وأهمية هذا الموضوع تأتي من أنه إذا لم يجد أحد الزوجين شريكه الآخر ليسمعه فسيجد كثير من الناس يسمعه خارج البيت، وكم من زملاء عمل زين لهم الشيطان أعمالهم فقاموا بهذا الدور على سبيل واجب الزمالة، وكان ذلك دافعا رقيقا لينا دفع بهذا البيت إلى كارثة محققة تهدد تماسكه وأمنه بخيانة أحد الأطراف للآخر.

سلبية أحد الأطراف أيضا يعد عاملا هاما في التواصل الزوجي وهو أن يؤْثر أحد الأطراف الموقف السلبي في رأيه اعتقادا منه أنه يرضي الآخر فتجد أحدهم كل ردوده كالآتي (للرجل أو للمرأة): “زي ما تحب، لو إنت عايز كدة، شوف اللي يعجبك، اللي تشوفه….”، فيشعر الآخر أنه يسمع صدى صوته وليس له شريك يفكر معه ويتجاذب معه أطراف الحديث.

هناك شئ آخر مؤثر على الحوار بين الطرفين وهو اختيار التوقيت المناسب لكل موضوع، وهو شئ كثير من الزوجات تتجاهله ولا تستطيع التحكم في نفسها فتجدها تتحدث عن مشاكل الأسرة على الأكل أو عند رجوع زوجها مجهد من عمله أو في لحظة رومانسية، وتجدها تطلب منه الخروج والتنزه في أوقات عمله أو أعباء واجبات عائلية وهكذا…

  سيقول البعض “حنعمل الكلام ده بعد عشرة ولا عشرين سنة جواز”، ولكن ما هي المشكلة، إن الحياة الزوجية تحتاج إلى تجديد دائم، فمابالكم إذا كان تصحيحا لخطأ، خطأ تجاهل إنسانية شريك حياتي واحتياجه لي في أبسط نواحي حياته، احتياجه أن يسمعه أحد، إحتياجه للاهتمام ولو بنظرة عين حنونة من زوج على زوجته أو من زوجة لزوجها.

  قد يقول أحدكم هذه تفاهة، هل من الممكن أن تخرب البيوت لذلك، لكن المشكلة هنا مشكلة احتواء، هذه التفاهات تشعر طرف أن الآخر يحتويه، وبالمعنى القرآني يدخل الاحتواء في حيز “السكن” الذي هو أحد صفات هذه العلاقة كما وصفه الله عز وجل بسكن ومودة ورحمة.

كما أن خراب البيوت ليس بتفككها بالطلاق فقط، ولكن هناك كم من البيوت الخربة التي يعيش فيها أزواج تحت سقف واحد ولكن يحول بينهما حواجز خرسانية بُنيت بسنوات الإهمال والتسليم للأمر الواقع.


الأخت الفاضلة داليا رشوان

جميل موضوعك عن الصمت الأسري

ورغم أنك لمست الكثير من مواضع اللم في هذا الموضوع المتفشي عالميا

وأقول عالميا .. وأعني أعنيها …. فهو ليس مرضا خاصا بشعب

ولذلك تكون أسبابه في معظمها ليس خاصة بعادات معينة .. أو موروثات

ولكنها حقيقة ودون حرج … هي نتيجة لسلبيات العلاقة الخاصة

بين الرجل كرجل والأنثى كأنثى

ربما تتداخل عوامل أخرى كثيرة

لتسرع من معدل وصول أسر بعينها لهذا الصمت أو الخرس

ولكن تبقى طبيعة العلاقة الخاصة جدا بين الرجل وزوجته … سببا رئيسيا لهذا الصمت

فالانسان بطبعه .. مخلوق اجتماعي … وبالتالي لا يسكته ولا يخرسه مع أقرب الناس إليه

إلا .. مانع قوي …. وحاد … يتمثل في عدم الراحة أو الإشباع من الطرف الآخر

والذي ليس لديه سواه … ليشبع هذه العلاقة ويثريها

أو هذا هو المفروض …. فيصيبه هذا بالتبلد تجاه هذا الطرف

ولا يتطرق الخرس والصمت الأسري لأي أسرة إلا عندما يفشل الطرفان في التقارب

وتكون العلاقة الخاصة بينهم هي إفراغ واستفراغ لمشحون النفس والجسد … وفقط

فعندما تفقد العلاقة …. رقتها … ودفئها … تتجمد بينهم وصلات الحوار … ثم تموت

فالمرأة والرجل عندما تزوجا

كان عندهم أمالا كبيرة لعلاقة جميلة ودافئة تزيد من قربهما

فّإذا فشلت هذه العلاقة على أرض الواقع في تحقيق هذا التقارب والدفء

فترت معالم الحياة … ثم انخفضت حرارة الحوار … ثم تجمدت وصلات التفاهم

والغالبية يحافظ على حد أدنى للحفاظ على كيان الأسرة …. لتستمر الحياة

وهذا في حد ذاته أسلوب جميل وراقى للحفاظ على الكيان من الهدم

وقد يمضي العمر كله … عند هذا الحد … مع كثير من الخلافات والشد والجذب

ولكنها تصل لبر الأمان …. وتنتهي الحياة والعمر بمجملها في سلام

ولكـــــن

إذا شاؤوا .. ألا تهدر حياتهم … فهذا شأن آخر

فذلك يحتاج لمزيد من …. الوضوح والشفافية والصراحة والتنازل والتضحية من الطرفين

ليلتقوا في منتصف الطريق … بمعنى … أن يشجع الرجل زوجته على الحديث في سلبيات

العلاقة بينهم … العلاقة الخاصة ودون حرج …. ليعرف ما يسعدها … وما يؤذيها

وما يفرحها … وما ينفرها … ولتعرف هي .. ما يسعده وما يضايقه

ولا يأخذه الكبر والعادات والترفع … عن تبادل مثل هذه الأحاديث

ولا يخشى الرجل وكذلك المرأة … أنه بالبوح سوف يفشي سره

فقد عبرا معا مرحلة إخفاء الأسرار … بالزواج

ولا يخشى كل منهما أن يكون ذلك فيه إفساد للطرف الآخر

فكل شيء في الدنيا له حلاله وحرامه … وأن ما لم يدرك بالحلال والصراحة

قد يدرك بالخطأ والحرام … أو يحيل الحياة للخرس الأسري

فإذا سعد كل طرف في العلاقة التي لا .. ولن ..  يجدها إلا مع هذا الشريك

فسوف يكونا أسعد البشر بالحديث …. سويا

وعندها يجب أن نقول لهم مجموعة من النصائح التي ذكرتيها أختي الفاضلة

فالنفس وهي سعيدة مستعدة لتقبل وتنفيذ …. كل النصائح وبحرص وتفاني

وإلا

فما فائدة الدواء في علاج من مات …. ولا يملاء الحب إناء مكسور

فإصلاح الخصوصية … يصلح شرخ الإناء … فيصلح للمليء مرة ومرات

وأرجو أن لا أكون أثقلت … أو خرفت

وهدانا الله وإياكم لما فيه الخير دوما

د . جمال عمر


كانت هناك بعض التعليقات الأخرى على هذا الموضوع ورددت عليها بالآتي:

لم أقصد الصمت الزوجي عن كلمات الرومانسية فأي عاقل متزوج منذ أكثر من عام سيعرف أن ذلك ليس منطقيا على الإطلاق، ولكن ما هو أقرب إلى الخرس الزوجي في أي اهتمامات مشتركة في الحياة. فهم شركاء في هذه الحياة وكلمة شركاء أصبحت الآن غير عملية إلا في الأولاد والبيت أما الفكر فلا. ومن غير المنطقي أن يبحث الزوج المهندس مثلا عن زوجة مهندسة، ليس هذا أيضا ما قصدت، ولكن كل ما أقصده مشاركة كلا الطرفين اهتماماتهما معا والاستفادة بذلك فهذه الاهتمامات المشتركة قد تنتج عن انجازات حقيقية لكلاهما في الحياة. وعلى سبيل المثال “مع أني قد وضعت أمثلة مختلفة تماما في الموضوع الرئيسي”: يريد الزوج عمل مشروع ما، فتحاول الزوجة اسداء النصيحة، فيبين لها الزوج سلبية نصيحتها، وهكذا أصبح هناك اهتماما مشتركا قد يجلب لهم فائدة كبرى دون تدخل أحد، وما يحدث أن الزوجة تعتبر مشروعات (على سبيل المثال) الزوج شئ خاص به وهي لا تعرف بحكم عدم تخصصها ولا تريد أن تعرف عنه شيئا، مع العلم أنها إذا سألت زوجها عن مثل هذه التفاصيل وأبدت اهتمامها بذلك وجعلته من اهتماماتها الشخصية لمجرد اهتمام زوجها به، قد تخلق مساحة واسعة من الحوارات التي لا يتسع لها وقت فراغهما.

 قد ينظر احدكم بجانبه “حيث توجد زوجته” ويتعجب كيف يفعل ذلك معها، لقد اعتاد الوضع منذ زمن ولم يعد هناك أمل في الرجوع أو حتى “النِفْس” لذلك، ولكن هذا الأمر للأسف يتطلب طرفين للعمل، ليس من الممكن كسر الصمت الزوجي بطرف واحد، إلى جانب أنه يجب أن يكون الزواج أصلا مبني على أساس المشاركة وليس التنافس أو المصلحة.

إنني وأنا كاتبة الرسالة مع التعدد بسبب أو بدون وقد أفردت لهذه القضية قسما في موقعي ولكني أتحدث هنا عن الزواج الأول وأنا أعرف أن الزواج الثاني غالبا ما يتفادى تلك المشكلات لأن كلا الزوجين يعرف أن الأمر ليس مسلما به كزواج وأنه من الممكن أن ينتهي في أي لحظة إذا لم تحدث الايجابيات المرجوة. ولكن “كلا الزوجين” كما قلت، أي أن الأمر يتطلب اثنين.

وكسر الصمت الزوجي يعود بفائدة كبيرة على كلا الطرفين لأنه في النهاية يكون “ونس”، ولا يضطر احدهما للجوء إلى عنصر خارجي يبوح له بأسراره وقد يتم استغلاله بشكل سئ.

 والصمت الزوجي لا يعبر عن مشكلة إذا كان الزوجين أصلا من طباعهما أنهم صامتين، وهادئين إنما المشكلة عندما يكونا بحاجة ماسة لذلك ونتيجة الاحباط الأسري إما يلجئان للكبت الذي يولد الانفجار أو التنفيس خارج البيت.

 بيوت كثيرة تعاني من هذه المشكلة ولا أظن أن أحدا يمكنه اقتراح حلها إلا من داخلها، ولكن كل ما هنالك أنني أريد أن أضع خطوطا حمراء تحت هذا الأمر لعل الفتيات المقبلات على الزواج تنتبه لهذا الأمر وتعطي لشخص زوجها واهتماماته أكثر مما تعطي البيت والأولاد.


أما عن تعليق جاء من الأخ الفاضل السفير إبراهيم يسري بأن صمت الوحدة أصعب من الصمت الزوجي فأقول:

لعلك أخي في صمت الوحدة لديك آمال قد تكسر هذا الصمت في لحظة، أما من يعاني من صمت زوجي ففي رقبته ألف مسئولية تكبل آماله في التغيير.

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب