زوجية

الاستسلام لله

162الاستسلام الذي أعنيه هو الاستسلام الذي يريح القلوب من عناء التفكير فيما لم نُخلق له للتفرغ لما خُلقنا له.

لقد أحل الله لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، وجَرم سبحانه تحريم ما أحل تماما كما جرم تحليل ما حرم لأن كلا الفعلين يؤديان إلى نفس الدرجة من الإفساد في الأرض.

والإسلام هو التسليم بذلك والتفرغ لإعمار الأرض وهو ما خُلقنا من أجله.

هذا الإعمار هو نشر الحق والعدل بين الأمم وهو ما يتمثل في شرع الله، وذلك بالدعوة لله بحسن الخلق وحسن معاملة الآخرين والإرتقاء في السلوك والترفع عن الدنيا لطلب الآخرة وطلب الأجر من خالق العباد وليس من العباد.

هذه مقدمة ربما يجدها البعض لا تتفق مع الموضوع الرئيسي الذي سأتطرق إليه لكني أرى أن هناك رابطا وثيقا ليس بهذه القضية فقط وإنما جميع قضيا حياتنا اليومية، ولصعوبة جمع ذلك في موضوع واحد اسمحوا لي أن أضعه في هذه القضية التي كانت دافعي الرئيسي للكتابة عن الاستسلام لله.

فقد سمعت كثيرا من النساء يعارضن مسألة تعدد الزوجات، وأنا لست بصدد استفزاز أحد، وأعلم أن للمرأة حق رفض التعدد حين يتزوج زوجها عليها بأخرى، لكن ليس من حقها الترويج لفكرها، لأن مسألة رفضها مسألة شخصية بحتة وهناك بيوت بالفعل قائمة على التعدد وهناك أسر ما كانت لتبقى لولا التعدد، فهي بذلك كأنها تمنع من تعاني مع زوجها من طلب الطلاق أو أنها تشجع من تحب زوجها وأخطأ على الطلاق منه وكله نصح بما يغضب الله؛ فكأنما تبرر لأحدهم السرقة وتقول له هذا حقك لأن الله لم يرزقك المال وتقول لمن يزني هذا حقك لأن الله لم يرزقك بمن تغنيك عن ذلك؛ فهي حقيقة تروج لفكر يخالف الشرع بحجة أنه جائر على الحقوق.

هي تفرض ما تراه يتفق مع ظروفها الشخصية وتضع في عقل كل امرأة أن التعدد ضد حقوق المرأة، وكأنها تقول أن الله (وحاشاه) أحب أن يحابي الرجل في هذا الحق دون المرأة وأن مشاعرها ليست في الحسبان فشرع الله جائر ضدها، هذ هو المعنى الضمني للترويج لفكرة الرفض مع العلم أن جانب من هذا الحكم واضح جدا أنه في مصلحة امرأة أخرى عاشت سعيدة بعد أن تزوجت رجل فضل التعدد.

وأنا في رأيي أن ترويج مثل هذا الفكر فيه بعض الأنانية من امرأة تزوجت وتعيش مع زوجها حياة طبيعية ففكرها مبني على هذا الأساس لكنها لم تضع نفسها في مكان امرأة كبر سنها ولم تتزوج أو أرملة أو مطلقة.

هي لم تضع في اعتبارها أن زوجها قد يعاني منها ومن حقه أن يجد امرأة تؤنسه دون هدم بيته وتطليق زوجته والإضرار بأبنائه. لقد أعطى الله حق أن يبحث عن من يريد دون أن يؤذي زوجته أو يضر ببيته وأبناءه،

هي لم تضع نفسها مكان رجل وامرأة جمعهما شعور بالحب فآثر التعدد خشية الوقوع في الزنا،

كما أنها لم تضع نفسها في موقف نصارى يمنعهم دينهم من الطلاق والتعدد وقتها ستعرف النعمة التي كفلها لنا الاسلام.

هناك من يقول التعدد صعب لأن كله مشاكل

المشاكل تتخلل كل نواحي حياتنا فلماذا نأتي هنا ونتحجج بالمشاكل، الزواج الطبيعي فيه مشاكل بالجملة هل معنى ذلك أن من الأفضل للمجتمع إلغاء نظام الزواج وإطلاق حرية العلاقات غير الشرعية؟

وكما نجد مشاكل في التعدد نجد أيضا نسبة كبيرة من أسر تحيا على التعدد في هدوء واطمئنان ولكننا لا نسمع إلا من هؤلاء الذين يعانون لأنهم الأعلى صوتا.

ويجب أن نفرق في ذلك بين رجل يريد التعدد بمفهوم إحداث تغيير وقتي في حياته ليس بنية بناء أسرة ولكن بنية قيام بمغامرة ظريفة بورق شرعي مؤقت كبديل للزنا استغلالا لأزمة الزواج، وهنا نجد المشاكل الفعلية التي نتجت عن عدم تقوى الله في حقوق طرف من الأطراف وما نتج عنه من غضب الله على هذه الأسرة ونزع البركة بين الزوجين.

أورجل آخر يتزوج بحثا عن السكن والمودة والرحمة فهذه الآية تلخص حياته التي سيرزقه الله بها “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب”.

ورجل ثالث بين هذا وذاك يريد أن يعدد لبناء أسرة ولكنه ليس ملتزم بالشكل الذي يجعله يحسن في تعامله مع الناس بشكل عام وكلا من زوجاته بشكل خاص.

هذه تفاوتات وعيوب شخصية لا تخلو الحياة منها ولا يقام على أساسها حكم.

أما من يقولوا من الرجال أنهم يفعلون ذلك “إحياءا للسنة” فلا اعتقد أنه جاد فيما يقول ولكن وراء هذا القول دوافع أخرى لا يستطيع أن يواجه بها الناس أو أنه لا يستطيع أن يواجه بها نفسه فيضعها في هذا القالب.

شرع الله لا يأتي على طرف ضد طرف ولو شعرت المرأة أن زواج زوجها بأخرى ظلم لها فصبرت واحتسبت ستنقلب محنتها إلى منحة، حتى لو أساء زوجها العدل بينها وبين الأخرى فإن إستسلامها الداخلي لما حلله الله لن يأتي لها إلا بخير من عند رب العالمين.

وأحب أن أذكرها بأن الله قد كان من الممكن أن يبتليها بشئ أكثر صعوبة مثل مرض مزمن لها أو لأولادها أو شخص يتسلط عليها وما إلى ذلك ووقتها كان الدعاء والصبر والاحتساب هو الحل فلماذا لا تنظر إلى هذه الأزمة بنفس الطريقة.

وحين نقول أن من حق الرجل أن يتزوج بأخرى وعليك بالصبر والاحتساب فالأمر لم ينتهي فهناك مص آخر مكمل لهذا التصرف من ترف الزوج فهو أيضا محاسب أمام الله على إحسان المعاملة والعدل قدر الإمكان وإن لم يفعل فإن الله سيجازيه بما يفعل.

الإستسلام هو فكرة الإطمئنان لأنك “في يد أمينة” كما يقولون، عليك واجب ولكِ حق ومن أمامك عليه هو الآخر واجب وله حق وإن لم يقم من يعاملك بالحقوق التي عليه فإن الله سيحاسبه في الدنيا والآخرة وسيعوضك على ما وقع عليكِ من ظلم وأذى بسببه إن صبرتي بما لا تتخيله من نعم وربما لم تكن لتأتيكِ لولا هذا الظلم لذا فإن الإستسلام أوجب وأكثر بركة أما الغضب وإظهار مشاعر وأفعال سلبية تغضب الله فهي لن تصل بك إلا إلى طريق مغلق لا تُرد به حقوق ولا تأتي بأي خير.

الكل فائز مع شرع الله الخاسر الوحيد هو من أبى الاستسلام له سبحانه

تنويه: لقد تحدثت هنا متوجهةً للمرأة على أساس أنها هي الطرف الذي يستنكر التعدد، أما من يستنكرون التعدد من الرجال فلا أجد لهم أي تعليق لأن السبب الوحيد الذي يدعوهم لذلك هو العند أو الكبرعلى شرع الله، لأنه ليس الطرف المجبر على تقبل التعدد وليس هناك أي معنى لمعارضته فله أن لا يُعدد في صمت وليس من حقه نهي الآخرين عن ذلك.

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب