اكتشف طاقاتكعلميةنفسية

إلى القارئين والقارئات والدارسين والدارسات

هذه دعوة لكل من يقرأ كتاب أو يُحصِّل علم

هذا رجاء حار مستميت كي ينتفع المجتمع بعلمكم

القراءة_1على مدى سنوات طويلة تعاملت مع الكثير والكثير ممن يدرسون أو استمروا في الدراسة الأكاديمية للحصول على الماجستير والدكتوراه، تعاملت أيضا مع الباحثين عن العلم والثقافة في الكتب وراقبت الدعاة والشيوخ العاملين في الدعوة الإسلامية، ووجدت ما هو مشترك بين الجميع كعرب بشكل عام وهو ما يعتبر من أهم أسباب التدهور العلمي العام مع وجود عدد هائل لدينا من خريجي الكليات والمعاهد سنويا وحصول عدد آخر ليس بقليل أيضا على درجات الماجستير والدكتوراة.

أولا: يتعامل المواطن العربي مع الكتاب وما تحتويه من مادة علمية على أساس أن المطلوب منه حفظ هذه المادة داخل عقله فقط، وإخراج المعلومة كما هي في الكتاب عند اللزوم.

ثانيا: عدم وجود هدف حقيقي لتحصيل العلم إلا التحصيل في حد ذاته أو الحصول على درجة علمية.

في بداية حديثي يجب أن أضع مفهوما واقعيا للكتاب ووظيفته

الشخص الذي اكتشف نظرية ووضع لها إسما أو ألف كتابا فعل ذلك حتى يتم تدوين ما توصل إليه وذلك كوسيلة لحفظ المعلومة ونقلها بسلام ليتلقاها آخر فيبدأ من حيث انتهى الأول فيستفيد بخبرات من سبقه وعِلمهم.

وبالتالي فإن المطلوب

أن يتلقى الإنسان هذه المعلومات والنظريات لتصبح جزء رئيسي من تكوينه العقلي ثم يضفي عليها من شخصيته وخبراته، ثم يبحث لهذه المعلومة عن تطبيقات على أرض الواقع فيستطيع أن يكمل المشوار ليبحث من حيث انتهى الآخرون. ويمكن أن نعرف القراءة، كعنصر من عناصر التعلم والدراسة، على أنها فن الإستعانة بالمعلومة والبحث لها عن مفهوم جديد في ظل المتغيرات التي جدت ووضع تطبيقا لها يتواءم مع العصر وكأنه اعادة اكتشاف ما سبق بتطبيقات جديدة.

ما هو موجود بالفعل مغاير تماما لما يفترض أن يكون، فالقارئ على أفضل تقدير يحفظ ما قرأ داخل عقله حتى يصبح كتاب يمشي على الأرض بلا زيادة أو نقصان، وكلما زادت قراءته خرجت الكتب منه وقت اللزوم دون تغيير أو ترابط. ولهذا فإن الهدف من هذا التحصيل لا يخرج عن الحصول على الدرجات العلمية التي يعترف بها المجتمع كجزء من شعور هذا الإنسان بذاته وأهميته وعظمته، أي أن الهدف أناني يخدم فردا واحدا فقط. أما عن خدمة المجتمع بهذا العلم فيدخل في دائرة الإستفادة المادية، أي أن الخلاصة هو أن تحصيل العلم أصبح حرفة من يريد الوصول إلى المجد المعنوي أو المادي.

مجتمعاتنا لا تحتاج إلى كتب فما أكثرها فوق الأرفف ولكن تحتاج إلى عقول تفكر وتبتكر، ومع ذلك فإن الأهداف التي سبق ذكرها للأسف هي واقع معظم المتعلمين والباحثين عن الثقافة، حيث يدخلون إما في الدائرة الاكاديمية ليغرقون في الكتب والنظريات وشرحها أو الإنغماس في سوق العمل والنهم وراء الكسب المادي، وهكذا خرجنا بتعليمنا وجامعاتنا وكتَّابنا وكثرة كتُبنا ومترجمينا بلا شئ.

تلك الأهداف دمرت قدرتنا على الإبتكار والإبداع والتطور

وهنا نجد أن الإبداع والتطور يحتاج إلى عناصر محددة لا تنفصل إحداهما عن الأخرى

– الإجتهاد في تحصيل العلم

– الإهتمام بالتطبيق

– الإهتمام بالمجتمع وإحتياجاته

هناك عناصر أخرى تعزز هذه العناصر الثلاثة منها:

– الشعور بالإنتماء والفخر بالهوية الإسلامية – هذا الإنتماء هو الذي يخلق التفرد والتميز والاستفادة الحقيقية للمجتمع.

– البعد عن النمط الإستهلاكي – هذا النمط الذي يجعل الإنسان يميل إلى الخيار الأسهل في الإستمتاع بما يبتكره آخرون مما وضع المجتمعات العربية بعقولها ومؤسساتها في ركن المتلقين.

– البعد عن التقليد – قد يكون التقليد في بعض المراحل جزءا من أدوات التعلم ولكن من يقلد يستطيع بلا شك أن يطور وكفانا بحثا عن ما هو سهل فإن الله أمرنا بالإحسان في العمل، والإحسان يعني إستخدام أقصى طاقتك بل والعمل على زيادة هذه الطاقة.

– قبول العمل الجماعي واحترام قواعده – وأول هذه القواعد حب الآخرين والمصلحة العامة ومعاملة الله في العمل وابتغاء الأجر من عنده سبحانه.

– التأمل في أحوال الناس وفي أحداث العالم فهذا التأمل دائما ما يحمل جديد.

– النشاط ونبذ الكسل والإستسهال ونبذ فكرة إعتبار أن العمل وإعمال العقل شقاء

الإهتمام بهذه العناصر يأتي من باب الإحسان في العمل، ونحن المسلمون أولى بهذا الإحسان من الغرب لما فيه من نتائج عرفها الله سبحانه وتعالى لنا في كتابه الكريم.

أجر المحسنين ليس له حدود وهذه بعض الآيات التي ذكرت فضل المحسنين عند الله:

“الله يحب المحسنين” – سورة البقرة وآل عمران والمائدة

“إن رحمت الله قريب من المحسنين” – الأعراف

“إن الله لا يضيع أجر المحسنين” – التوبة وهود ويوسف

“ولما بلغ اشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين” – القصص

“والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين” – العنكبوت

“لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين” – الزمر

نماذج

المهندس لن يستطيع إبتكار أجهزة تساعد الآخرين إلا إذا كان إهتمامه بإحتياجات مجتمعه وحرصه على خدمته وتسهيل حياة الآخرين هو جزء من شخصيته وإداركه لهذا المجتمع، أما إذا كان كل حرصه يتركز في حصوله على أكبر مبلغ من المال حتى يستمتع بحياة رغدة فإن قدرته على الإبتكار ستنعدم، وهذا لا يعني أن المبدع يجب أن يترك الدنيا ولكن عليه أن يتعلم أن العمل متعة وأن متعة الراحة ورغد العيش ما هي إلا عامل مساعد على الإنجاز وليس هدفا في حد ذاته.

مبرمج الكمبيوتر يصبح مبدعا إذا فكر في احتياجات الآخرين حتى يقدم لهم ما يناسبهم بشكل مميز، وإذا وجد أمامه مشروعا كبيرا لم يستكبر أن يشترك مع آخرين بنظام العمل الجماعي لإخراج عمل متقن، أما ما نراه من أنه يأتي أحدهم ليزيح الباقين ويتفرد ليحصل على الشرف وحده دون الإهتمام بخروج العمل بشكل لائق، فهو شئ لا يساعد على إنتاج عمل محترم.

أما المشايخ والدعاة فمن وظيفتهم ليس حفظ كتاب وتلقينه للمتلقين في المسجد أو على شاشات التليفزيون فالدين ليس علم مثل العلوم الأخرى، ومنبر المسجد ليس قاعة محاضرات، الناس تستطيع أن تحيا بدون علوم كثيرة أما الدين فهو الإرشادات الربانية التي أنزلها الله على عباده حتى يعيشون حياة صحيحة كما أرادها الله من خلقهم ولا يستغنى عنه أحد، وعلى الدعاة أن يكونوا همزة الوصل بين واقع حياتنا وبين أفضل أسلوب لتطبيق شرع الله في وسط متغيرات كل عصر، بمعنى أن الداعية ليست وظيفته ترديد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ترديد آيات الله بقدر ما هو كيف نعيش بها وكيف ندمجها في حياتنا اليومية ليكون أقرب من المفهوم العملي ولا يصبح الدين كلاما مكررا يشعر المتلقى قليل العلم أنه لا يصلح لزمانه. وهذا في رأيي هو السبب الذي يجعل الناس تلتف حول بعض الدعاة من الشباب ونفورهم من آخرين في القنوات الدينية.

وفي النهاية

الإنسان حين يقرأ كتاب يجب أن لا يحفظ ما فيه فقط ولكن يجب أن يجعل المعلومة جزء من تكوينه العقلي كإضافة جديدة على شخصيته وأن يصل من خلال المعلومات المتاحة أمامه إلى الأسلوب الذي وصل به الكاتب لهذه المعلومة وإتجاه الرؤية التي أتاحت له المعلومة وأسلوب التفكير فيها وعقد مقارنات بين كل كتاب وآخر في نفس المجال مع حصر إيجابيات وسلبيات كل واحد فيهم ومدى عملية المعلومة وتوافقها مع الحقائق المتاحة على أرض الواقع وينتهي بأن يضفي عليها من شخصيته ويطليها بقدراته الشخصية التي منحها له الله سبحانه فيكون متفردا في علمه ولا يكون محصلا فقط لعلم من قبله ولكن قادرا على اخراج نظريات وتطبيقات أخرى بنفس مفهوم الكاتب المأخوذ عنه كإمتداد له وتفرد في نفس الوقت.

ويساعد على هذا التفرد ربط المعلومة التي تم تحصيلها بالحياة الفعلية التي نعيشها وتأمل أحداثها وردود أفعالنا تجاهها لأن الإهتمام بالتطبيق في خدمة المجتمع هو الأساس في إستخراج نظريات جديدة تثري مجتمعنا وتقينا من أيدي العابثين بعقولنا وقيمنا وحياتنا ووضعنا في إطار الإنسان المستهلك لما تقدمه له أيادي خارجية أجنبية لا يوجد لديها حدود اجتماعية أو دينية ولا يهمها إلا الكسب المادي أحيانا والكسب السياسي في أحيان أخرى، وتوجيه الفكر إلى كيفية استنفاع المجتمع على شكله الحالي بمثل هذه المعلومة وكيفية تطبيقها على أرض الواقع، وذلك بجعل الإهتمام بالمجتمع ومشاكله ومنفعته هو الهدف.

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب