إسلاميةمفاهيم إسلامية

أبواب وشرفات

iron-balcony-1-lgابتلاني ربي سبحانه وتعالى ابتلاءً شديدا حتى تسرب إلي شعور قوي أنني بلا أسرة وبلا مأوى وبلا سند إلا الله، فكنت أختلس النظر أثناء ذهابي وعودتي من عملي داخل البيوت من حولي خاصة المضاءة ليس بغرض الفضول أو التلصص ولكن لمجرد أن أعيش لحظات أتخيل فيها أن هذا بيتي وأن من في الداخل أهلي وأسرح بخيالي في مدى الحنان الذي يمكن أن أتلمسه منهم، وظللت هكذا فترة طويلة أشعر وكأنني وحدي في مأساة وكل من حولي معافى، ثم أفاض علي ربي برحمته وكرمه وعوضني خيرا مما ابتلاني به وفتح علي أبوابا لم أكن أتخيلها، وذهب عني انعزالي وبدأت أختلط بمن حولي حتى اكتشفت ما لم أكن أتصوره، وجدت أن كل من حولي مبتلى بما لا أستطيع تحمله حتى لو كان أهون في حجمه مما كان بي، وبعد أن كنت انظر إلى شرفات المنازل أبحث فيها عن ما هو خير، أصبحت أنظر إلى أبواب جيراني وأنا صاعدة إلى منزلي وأراها أبواب مغلقة على ما لا أطيقة ولا يخرج مني إلا الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به غيري.

وخرجت من هذا بالآتي:

كلنا نبحث عن السعادة وكلنا لديه مصائبه أو مؤرقاته، ونشغل أنفسنا بحل هذه المشاكل ونتفانى في حلها ونشعر وكأنها جدار بيننا وبين السعادة ونفاجأ ونحن نهدم الجدار أن هناك جدارا آخر وهكذا، فنضيع حياتنا منشغلين ولاهثين وراء الزيادة سواء المادية والمعنوية، ونتخطى حدود الله في طريقنا ونحن في الحقيقة نسعى وراء سراب.

السعادة في الدنيا ليست بحل مشكلة فنحن في دار عمل وابتلاء، فقد قال الله تعالى:”ولقد خلقنا الانسان في كبد”. سعادة الدنيا في قبول الوضع كما هو عليه، والقبول أو الرضا ليس معناه التوقف عن السعي وراء الأفضل ولكن السعي باطمئنان وعدم الانشغال والاسترسال فيه، واعلم أخي أن بعد مشكلتك ستجد أخرى فلا تعلق طاعتك لله وهدوء نفسك على تخطي تلك المشكلة، عش حياتك في هدوء وحُب ربك يغمر قلبك أما الدنيا فستأخذ منها نصيبك، وتذكر أن الله وعد في عدة آيات المحسنين والمتقين والمتوكلين بحسنة في الدنيا قبل جزاءهم في الآخرة فأرح قلبك وانشغل بالاحسان والتقوى والصبر وستأخذ حسنتك من الدنيا.

وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) – النحل

مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) – الحج

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) – النحل

من الفوائد التي رأيتها في الابتلاء:

تعلم الصبر والتوكل: فإن آيات الله في خلقه لا تشعر بها متجسدة أمامك إلا في أزمة تنقطع بك فيها أسباب الدنيا فتجده سبحانه يخرجك منها من حيث لا تحتسب، ويزيد يقينك في الله حتى إذا مررت بأزمة أخرى وجدت نفسك مطمئنة لأنك عرفت أن الله هو وحده الذي يحفظك وينجيك.

 متعة القرب من الله: تذكر معي آخر مرة كانت لك حاجة عند الله وظللت تدعو بها وأنت تصلي، تذكر كم استمتعت بهذه الصلاة، تذكر كيف خشعت وكان يصعب عليك من قبل.

 عدم تعلقك بالدنيا: فأنت أصبحت تعلم أن كل ما في الدنيا يتغير، وكم من المرات كنا نحسب أن الحال لن يتغير وإذا به ينقلب راسا على عقب، فهو كما نقول دوام الحال من المحال، الشئ الوحيد الذي يدوم وهو الذي ينقذك مهما تغيرت المتغيرات هي التمسك بالله، فهو حافظك كلما تقلبت الدنيا عليك، ما عليك إلا أن تصبر في الضر وأن تشكر في الرخاء.

 حل مشاكلك ليس أفقي ولكن رأسي، بمعنى لا تبحث عن الحل حولك على الأرض، بل ابحث عنه في السماء من الله عز وجل، حل مشاكلك بيد الله وليس بيد العبد فحسن علاقتك بالله ينصلح حال دنياك.

تجديد العهد بينك وبين الله: فكم من المرات يشعر الملتزم بعد طول مدة التزامه بفتور أو بقلة الشعور بقربه من ربه كما كان في بدايته فيصيبه نوع من الاحباط، فيأتي الابتلاء منه سبحانه رحمة به وتجديدا لما افتقده.

 كلما ابتلاني ربي، أحاول جاهدة أن اصبر، ولكن يظل في نفسي شئ يفكر في عواقب هذا الابتلاء، وأظل أحمل هم انقضاءه لأن عواقبه ستكون شديدة، ثم إذا بي اجد كل شئ عاد إلى ما كان عليه بلا أدنى عواقب وإذا بربي ينعم علي بما هو جديد جزاء لي على صبري فآتي في المرة التي بعدها وقد حفظت الدرس وأنا على يقين أنه سبحانه لن يكلفني ما لا أطيق وأنه سوف ينجيني بل ويرضيني، ومع الوقت يتبدد الشعور بالخوف مع الابتلاء حتى ابتلى وأنا اعلم آخره لعلمي بربي ويقيني به.

تعجبت من عظمة ربي ورحمته، وجدته ابتلاني ليطهرني أو يعلي من درجتي عنده، ثم يعينني على أن أصبر على ما ابتلاني به، ثم يهون علي ثقل ابتلاءه فيستمر ولا أشعر بالمرارة، ويذيقني حلاوة القرب منه، ثم يرفع ابتلاءه عني ويعوضني أضعافا مضاعفة على ما أكرمني هو سبحانه به، فمن ذا الذي يفيض بهذا الجود والكرم إلا الله.

الله هو العدل، وقد خلقنا متساويين في النعم، ولكن مشكلتنا أننا لا ننظر داخلنا لنرى ما أنعمه الله علينا ولكن دائما ما ننظر إلى النعم التي في أيدي غيرنا على الرغم من أن غيرنا يفعل نفس الشئ معنا وهكذا نسير في دائرة مغلقة ينظر بعضنا إلى الآخر حاقدين حاسدين ودائما في حالة نهم للنعم. وقد كان من الأجدى أن ننظر في داخلنا وننشغل بتنمية ابداعاتنا والقدرات التي ميز الله كل واحد منا بها دون الآخر، فقطعا ستجد في نفسك ما فضلك الله به على غيرك.

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب