اكتشف طاقاتكنفسية

هل الفيسبوك هو مصدر تعاستك؟

facebook1بقلم داليا رشوان

كثير من الناس يعتبر أن حل مشاكل حياته تكمن في التوقف عن دخول صفحته على الفيسبوك. ولكن هل بالفعل مواقع التوصل الاجتماعي هي مصدر تعاستك؟

ما هي حقيقة ما يحدث على هذه المواقع؟

دعونا نتناول الأمر بالتفصيل:

مواقع التواصل الاجتماعي هي عبارة عن حياة افتراضية لها قواعدها التي تختلف عن الحياة العادية فأنت تستطيع من خلال هذه المواقع أن تسمع وتتحاور وتتدخل في شؤون الناس وتجادل أي شخص سواء من مستواك الاجتماعي أو الثقافي أو من نفس دولتك أو لا مما هو غير منطقي من الأساس في الحياة العادية.

مركبات الحياة العادية؟

في الحياة العادية هناك قيود على مثل هذه الحوارات.

فلنفترض أنك جالس في نادي، أنت وأصدقاؤك على طاولة، وهناك مجموعة أخرى على طاولة أخرى ما هي الطبيعة الحوارات وقيودها بينكم كشباب.

(1) حواراتك وخلاف الرأي مع أصدقائك، الذين اخترتهم بعناية وتعرفهم جيدا وتحرص على اللقاء بهم وهم كذلك، ستكون في حدود حتى لو تحمس البعض وخرجت من هذه الحدود سيستطيع آخرون التدخل لوقف أي تطاول لو حدث ولو أنه قليلا ما سيحدث لأن الإنسان نفسه سيكون لديه مانع ما يحد من هجومه مثل حرصه على صلته بالآخرين ورغبته في إبقاء العلاقة طيبة.

(2) من غير المعقول أن يسمع أحدكم ما يقال على الطاولة الأخرى ويتدخل في الحوار وإذا فعلت ذلك أنت وأصدقاءك فسيظل هناك حياء التعارف الجديد ومحاولة ابداء أفضل ما لديك يحد من الدخول في جدل شديد بألفاظ غير مقبولة.

التعامل مع آخرين في مجال العمل له قيوده أيضا، ففي النهاية أنت في محل عملك ومن غير الطبيعي خلق عداوات لخلاف في الرأي.

من غير الطبيعي أيضا أن يلتقي في الشارع شاب ورجل مسن لا يعرف بعضهم البعض ليتناقشوا ثم ينتهي حوارهم بالسباب.

في مجال تعارف الشباب والبنات في الحياة العادية ينتقي بعضهم بعضا ومن غير المعقول أن يأتي شاب ملتوي يتحدث لامرأة منتقبة، لأنه سيخاف، هناك رهبة لموقف مثل هذا ويعلم مسبقا ما هو الرد فلا يحرج فسه، والمتحرش في النهاية له أماكن معينة وقيود عليه ليتحرش بفتاة والمسألة ليست سهلة.

أي أن في حياتنا الطبيعية تجد أن أخلاق الإنسان مهما كانت سيئة فهي في ستار من قيود اجتماعية، فإذا خرج من بيته تظل هناك عدة حواجز بينه وبين الآخرين تمنع أن يظهر سوء خلقه تجاههم طالما ليس بينه وبينهم مشكلة فإن حدث حادث سيارة على سبيل المثال سيظهر من أمامك على حقيقته.

وكأن الناس في الحياة العامة تضطر إلى حبس سوء خلقها عن الآخرين وكل ما قد يظهر بعض القشور في أسلوب قيادة السيارة وفي التعامل مع زملاء العمل وفي التعامل مع شخص محتاج وهكذا.

أما قواعد الفيسبوك

أما الفيسبوك، على سبيل المثال كأحد مواقع التواصل الاجتماعي، فلا يوجد أي قيود يحبس بها الشخص سوء خلقه، والجميع لديه فرصة للتدخل في مساحات الآخرين سواء بالرأي المخالف أو بالسب، مما ليس متاحا في الحياة العامة.

المتحرشون منتشرون ليس بينهم وبين ضحيتهم إلا أن تقبل دعوتهم وهم لا يتحرجون من أي شئ لذا يدخل أحدهم لسيدة منتقبة ليقول لها “هاي” أو “ممكن نتعرف”.

فإن تركت حسابك على الفيسبوك “سداح مداح” بلا أي إعدادات للخصوصية أو أي تفكير في توجه الأصدقاء، وفي نفس الوقت أنت شخص لا تقبل أو لا تتحمل الاختلافات في الرأي (ومعظم الناس هكذا) فأنت بصدد أن تدمر حياتك لأنك تدخل الفيسبوك وكأنك دخلت ميدان عام، تسمع كل من يتنفس بكلمة فتجد نفسك في جحيم ولا تستطيع السيطرة على أعصابك لأنك تسمع هذا يخالفك وهذا يخالفك وهذا يفعل شيئا يستفزك وهذا يقول شيئا آخر يستفزك، فكأنك تستيقظ صباحا لتبدأ يومك بتدمير أعصاب تشعر فيه أن هذا العالم غبي أو مجنون لأن الناس فكرها لا يتفق معك وتحاول طوال اليوم تنفيس الغضب الذي تولد لديك من جلسة صباحية نصف ساعة فقط على الفيسبوك.

يصبح الفيسبوك إدمان بالنسبة لك، لا تستطيع أن تمنع نفسك عنه لأن الفضول يجعلك تريد أن تدخل صفحتك لترى هذا الغبي ماذا يقول وهذا التافه الآخر عما يتحدث وهذا الكافر عما سينشر اليوم.

هذا الأسلوب في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي غير صحي للإنسان، لأنك لا تستطيع أن تحيا حياة طبيعية وأنت تتعامل مع هذا الكم من المعلومات التافهة غير المهمة.

ما لا تدركه بالفعل أن هذا الكم من المعلومات غير مهم على الإطلاق، فمنذ خلق الله الإنسان والناس فكرها مختلف بل بعضهم يصل بفكره إلى مرحلة الجنون وفي الحقيقة هذا شأنه وحقه أن يفكر في أي شئ، ولكن على الفيسبوك يعتقد كل شخص أنه قيِّم على الآخرين وأن عليه أن يُسكت أي صوت يتحدث بغير ما يريد، والمشكلة الأكبر أن يكون هذا الشخص الذي نصب نفسه قيِّما على الآخرين هو نفسه ذو الفكر المبالغ فيه الذي يراه الجميع غير طبيعي وهو يعتقد فيهم نفس الشئ.

إنه حقا الجنون متجسد في شخصيات من حولنا لسنا مجبرين أن نسمعهم أو نحتك بهم ولكن بعض الناس جعلهم شغله الشاغل مما أثر على حالته الصحية وعلى بيته وعمله.

من ابتلاه الله بسوء خلق لا يُظهر ذلك في الحياة الطبيعية بشكل صريح إلا في البيت مع المقربين والأهل والأبناء والزوجة والبيوت المغلقة. أما على الفيسبوك فسيئ الخلق لديه مساحة فسيحة للسب والتطاول على الآخرين وإهانتهم والسخرية منهم.

ولكنك في واقع الأمر غير مضطر لذلك تماما وعلمك بما يتحدث ويفكر فيه كل الناس ليس من الحكمة أو العقل في شئ خاصة إذا كنت لا تحترم الرأي الآخر ولن يقلل منك أن لا تسمع من يخالفك ولكن ما يقلل منك أن تسمع وتندمج أنت أيضا في السب والإهانة وتستشيط غضبا مما يؤثر على بيتك وعملك وحياتك.

يجب أن تفهم وتعي أن الناس ستظل مختلفة مهما فعلت لذا فتدخلك لا يضيف شيئا فهو تضييع لوقتك وجهدك وطاقتك بلا أدنى داعي أو مردود.

مواقع التواصل الاجتماعي بها اعدادات للخصوصية حتى تستخدمها بالشكل الذي يناسبك وتستفيد منها. فإذا كنت لا تحتمل اختلاف الآراء حافظ على أن يكون أصدقاؤك والصفحات التي تراها من نفس الرأي. إذا كانت لك اهتمامات خاصة صادق من لديه نفس الاهتمامات ومن يزيدك من المعلومات الهامة.

واعلم أن وجودك على الفيسبوك ليس للمنظرة التي تجعلك تهتم بإضافة عدد كبير على حساب حياتك. الأهم أن تضيف من يضيفون لحياتك وعلمك شيئا جديدا فتستفيد منهم.

من المهم إضافة شخصيات إيجابية لا شخصيات تستيقظ صباحا لتجدهم في حالة يأس وشقاء فيطلون حياتك بالسواد، اهتم بالجمال جمال الصورة والألوان وجمال الألفاظ وجمال الرد فأنت أول المستفيدين، وإن كان ولابد أن تضيف سوداويون لأنهم من الأصدقاء أو الأقارب فقم بتعطيل المتابعة حتى لا يصلك منهم شئ.

مواقع التواصل الاجتماعي مفيدة في بناء شبكات اجتماعية ما كانت لتُبنى في الحياة العادية وهي وسيلة لمن يقوم بأي نشاط أدبي أو علمي أو اخباري أن ينشره على الناس دون الحاجة لتعقيدات الحياة العادية ويسمح للفرد العادي أن يأخذ المعلومات من مصادرها كأن يتابع كاتب فيصله جديده أو يتابع وكالة إخبارية فيتابع الأخبار أولا بأول والكثير والكثير من الخدمات الراقية التي تضيف للحياة ولا تدمرها، ولكن الكثير ينزلق في الخلافات والصراعات السلبية والاستفزازات والاحباطات المبنية على لا شئ ولا تضيف سوى الهم والغم والضيق.

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب