إعلامية

عقليات التخريب والإصلاح

12/08/2014

بقلم داليا رشوان

كثير من الناس في فترة الربيع العربي تسبب لها الإعلام في خلط ما بعده خلط حتى أنهم أصبحوا يعتمدوا في اختياراتهم على معايير الهوى والظنون والأماني وتجاهلوا المعايير العلمية أو المنطقية، البعض لم يعد يعرف من المصلح ومن المسئ وهؤلاء رأوا أنها فتنة من النوع الذي اختلط فيه الحق بالباطل، وعلى الرغم من أن الغالبية تعرف ماذا تريد وتسعى إليه حقا كان أم باطلا إلا أن النوع الذي يرى الأحداث مختلطة عليه هو من أقصده بهذا المقال. جمل قيلت على سلطة غير شرعية متغلبة: “ما نجربهم”، “مش ممكن يصلحوا البلد وتبقى جميلة ده يضايقك في إيه، اديهم فرصة، أصل الناس عايزة اللي يديها بالجزمة”. وكانت الناس تستغرب حزمي في أن عملية الإصلاح غير ممكنة من هؤلاء نهائيا؛ وجاء ردي بالنسبة لهم وكأنه درب من دروب القطع بعلم الغيب واتباع الهوى وكره الخير، وفي واقع الأمر هو شئ له أصول علمية معروفة لا تتغير ولا تتبدل إلا في حالات استثنائية نادرة يسبقها مؤشرات عليها.

مثال على الاستنتاج المنطقي لتصرفات الشخصية: حين يأتي لابنتي عريس ويجلس معنا ويصدر عنه ما يدل على سوء خلق مثل التطاول على ابنتي أو على أهلها أو الغضب من شئ غير منطقي ومبالغ فيه أو إساءة الأدب بأي شكل من الأشكال المشابهة، هل من المنطقي أن أستنتج أنه مؤدب وهادئ وأننا يجب أن نعذره؟؟؟ الإجابة قاطعة لا. ولماذا تكون الإجابة قطعية؟؟؟؟ أليس هذا ظلم؟؟؟ أن أحكم من خطأ واحد على هذا الرجل؟؟؟ تفسيري لذلك هو أن الهادئ المؤدب حين يتقدم لخطبة فتاة يكون أكثر أدبا وأكثر هدوءا، كما أن الرجل الذي لديه عيوب في شخصيته يحاول أن يتماسك حتى يظهر أفضل ما عنده أما الذي يفلت منه سوء خلق فهو حاول بكل جهده أن يخفي شخصيته ولكن من شدة هذا العيب لم يستطع أن يخفيه وخرج منه بعد أن فشل في كبته. كذلك الحال إذا سمعت تسريبات لشخص يتحدث بحرية مع آخر دون أن يعلم بأن تسجيل الحوار سوف يكون معلن. مسألة التنبؤ بأفعال شخصية معينة ليس مسألة صعبة وليس كـ “ضرب الودع” أو “فتح الكوتشينة” أو “قراءة الفنجان” مثلا، وهي مبنية على قواعد علمية سواء في مجال التحليل النفسي وعلم النفس أو مجال علوم المخ والأعصاب والطب النفسي وليس جديدا بالمرة.

وقد رأيت بحثا جديدا يشير إلى هذا الأمر وهو بحث سياسي علمي لم يحصل على كثير من الاهتمام ولكن يمكن استنتاج الكثير والكثير منه.

البحث هو: عقل الجمهوريين مبرمج على الهجوم والانسحاب يتحدث البحث أنه يمكن من رسم المخ لمواطن أمريكي التنبؤ الدقيق (الذي يصل إلى 83%) إذا كان جمهوريا أو ديمقراطيا وذلك لأن الجمهوري يفكر بمسارات عصبية محددة والديمقراطي يفكر بمسارات عصبية أخرى. (يمكن قراءة البحث والاستزادة من مصدره الأجنبي الموجود أسفل الترجمة) .

هذا البحث يدل أن السياسات التي تنتهجها كمواطن وتميل إليها هي عبارة عن مسارات عقلية اعتاد عليها عقلك ولا تستطيع أن تغيرها إلا بإرادة قوية بعد أن تمر بما يقنعك أن فكرك كان خطأ فتبذل مجهودا كبيرا مضنيا حتى تعمل على تغيير مسارات عقلك وتجعلها تعتاد على مسارات جديدة لأسلوبك الجديد.

لذا حين تجد جماعة اعتادت على فكر إصلاحي لا تتوقع أن تتعامل بأسلوب الفكر الإجرامي والعكس صحيح لا يمكن لمجرم أن يفكر بشكل إصلاحي لأن كل أسلوب من هذه الأساليب يتعامل مع مسارات عصبية مختلفة. فإذا كنت صاحب فكر إصلاحي ومعك آخر مجرم وكلاكما وقع في نفس المشكلة، يستطيع المتابع بمجهود بسيط أن يتنبأ بأسلوب حل كل منكما ولا أقصد الحل في حد ذاته ولكن التوجه العام للحل.

وإذا عدنا بالتاريخ نجد أن مبارك أنفق على خطة التوريث مليارات على الرغم من أن هذه المليارات لو كانت قد أنفقت في الإصلاح والتنمية لجعلت المصريين يورثون الحكم لعائلة مبارك حتى الحفيد العاشر ولكنه لا يستطيع أن يفكر في هذه الحلول ولن ترضى نفسه بذلك. والدليل على ما أقوله بخصوص رضا المصريين هو أنه في عام 2009 حين صرف مبارك للموظفين زيادة 40% على المرتب الأساسي فرح الناس فرحا شديدا ولو كانت قد أقيمت ليلتها انتخابات نزيهة لانتخب المصريون مبارك بنسبة 99% دون تزوير ولكن لم تدم الفرحة إلا لليلة واحدة حيث استيقظ المصريون على غلاء في الأسعار على جميع السلع والخدمات أكثر من 40% وخرج الوزراء ليبرروا الزيادة بأنهم ليس لديهم موارد للزيادة التي قررها مبارك إلا زيادة الأسعار ….. وسكت مبارك عن تبريرات الحكومة مع العلم أنه كانت هناك الكثير من الموارد الأخرى التي لم تكن لتضر بالمواطن. مثال يوضح جانب آخر، زوجة ضابط شرطة قاتل قد تفرح لأن زوجها معه السلاح ويطيح في الخلق مما يعطيها شعورا بالقوة والتمكين والعلو على خلق الله ولكن إذا عاد جائعا ولم تكن قد أعدت الغداء فسوف يقتلها، أو على أقل تقدير ينكل بها. حين تفرح بمجرم لأنه قتل عدوك أو عذبه أو تسلط عليه دون ذنب أو إجراء قانوني أو أي ذريعة تبرر القتل أو التعذيب فلماذا تعتقد أن هذا المجرم سوف يحنو عليك وأنه يريد مصلحتك ولماذا تعول عليه أن يصبح أحد جنودك المخلصين وأن يجعل لك الأرض الصحراء جنة تقطف منها ما تشاء من الورود والفاكهة؟؟؟

المجرم لا يبحث إلا عن مصلحته الشخصية ولو تلاقت مصلحتك ومصلحته اليوم فبالتأكيد لن تتلاقى غدا إلا إذا كنت تنوي أن تصبح أحد عبيده وتحتمل الإضرار بمصالحك التي تبحث أيضا عنها، وحتى لو فعلت، المجرم يريد أن تبقى يده العليا بطبيعته وإذا اختلفت معه أو حتى شعر أنك تطمح لأن تزاحمه في مسألة اليد العليا فسوف يفنيك في لحظة.

خلاصة القول: إن تتبُع أفعال الشخصية وتاريخها يُمكِّنك من التنبؤ الدقيق لما سيكون من أفعالها مستقبلا، إذا أردت إصلاحا فعليك بالمصلحين ولن يزيدك المجرمين إلا ذلا وعذابا وانهيار.

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب